قالت منظمة العفو الدولية بناء على تقارير مراسليها المعتمدين فى مصر اليوم إن قانوناً جديداً يفرض قيوداً واسعة النطاق على التظاهر في مصر يُعتبر نكسة خطيرة ويشكل تهديداً خطيراً لحرية التجمع ويطلق لقوات الأمن العنان لاستخدام القوة المفرطة، بما فيها القوة المميتة، ضد المتظاهرين.
إن القانون الذي وقَّعه الرئيس المصري عدلي منصور أمس- "قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية"- يمنح وزارة الداخلية سلطات واسعة للتعامل مع الاحتجاجات، ويضع شروطاً فضفاضة يمكن أن يُتهم المتظاهرون بناءً عليها بانتهاك القانون.
وقالت حسيبة الحاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: "إنها لعلامةٌ خطيرة أن ينص أول قانون منظم للحقوق والحريات يتم إقراره منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي على منع حرية التجمع ويعامل المحتجين السلميين كمجرمين. فالقانون لا يبيح للشرطة تفريق المظاهرات السلمية فحسب، وإنما يعطيها صلاحية إطلاق النار على المحتجين الذين لا يشكلون تهديداً لحياة الآخرين وسلامتهم."
"وإن منح قوات الأمن السلطات الكاملة لحظر الاحتجاجات أو تفريقها باستخدام القوة المفرطة والمميتة يعتبر نكسة خطيرة بالنسبة لحقوق الإنسان في مصر، ويمهِّد الطريق أمام مزيد من الانتهاكات."
وفي الممارسة العملية، فإن الأسس الغامضة والفضفاضة للغاية الواردة في القانون لن تسمح للسلطات بمنع أو تفريق الاحتجاجات التي ينظمها أنصار الاخوان المسلمين باستخدام القوة فحسب، وإنما ستسمح لها بفرض حظر على جميع الاحتجاجات المعارضة.
بيد أن الأمر المقلق بشكل خاص هو أن القانون يوفر لقوات الأمن إطاراً قانونياً لاستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين الذي يُعتبرون انهم ارتكبوا "جريمة يعاقب عليها القانون"، ويجيز القانون لقوات الشرطة استخدام طلقات الخرطوش والرصاص المطاطي ضد المتظاهرين، بما في ذلك لتفريق المتظاهرين السلميين. وقد قامت منظمة العفو الدولية بتوثيق وقوع حالات وفاة في صفوف المحتجين نتيجة لاستخدام طلقات الخرطوش، كان آخرها في 6 أكتوبر.
وعلاوةً على ذلك فإن القانون يسمح لقوات الأمن بالرد على استخدام الأسلحة النارية من قبل المحتجين باستخدام وسائل "تتناسب مع الخطر المحدق بالنفس أو المال او الممتلكات."إن تضمين الأموال والممتلكات في هذه المادة يمثل انتهاكاً للقوانين والمعايير الدولية، التي لا تسمح لقوات الأمن باستخدام الأسلحة النارية إلا إذا شكَّل ذلك وسيلة الدفاع الوحيدة ضد خطر الموت الوشيك أو الإصابة البالغة الوشيكة.
وتخشى منظمة العفو الدولية أن تستفيد قوات الأمن من السلطات الممنوحة لها بموجب القانون الجديد لتفريق الاحتجاجات السلمية بسبب عدم الالتزام بشروط القانون، بما في ذلك الأسباب الفضفاضة، من قبيل الإخلال بحركة السير أو تنظيم مظاهرات في أماكن العبادة. وعلاوة على ذلك، فإن أي فعل عنيف ترتكبه أقليه صغيرة من المحتجين، أو حتى شخص واحد، يمكن أن يستخدم بموجب هذا القانون كمبرر قانوني لتفريق المظاهرة بأكملها.
وقالت حسيبة الحاج صحراوي: "بدلاً من اغتنام الفرصة لكسر النمط الذي تكرر، وهو قيام قوات الأمن بقتل المحتجين بدون تحمُّل العواقب، فإن القانون الجديد سيعمِّق الانتهاكات أكثر فأكثر."
ويمنح القانون الجديد وزارة الداخلية صلاحيات حظر الاحتجاجات لأسباب من قبيل تهديد "الأمن والسلم"و"الإخلال بالأمن والنظام العام"و"التأثير على سير العدالة"، بالإضافة إلى تعطيل حركة المرور وقطع المواصلات. ويعاقَب كل من ينتهك هذه الأحكام بالحبس لمدة تصل إلى خمس سنوات أو/وغرامة قدرها 100,000 جنيه مصري (حوالي 14,513 دولار اميركياً).
إن هذه القيود والعقوبات التي تتجاوز إلى حد بعيد القيود المسموح بها بموجب القانون الدولي ستمنع مزاولة الحق في التجمع السلمي في مصر على نحو مشدد.
كما يفرض القانون حظراً شاملاً على الاحتجاجات والتجمعات العامة ذات الطبيعة السياسية في أماكن العبادة.
فمنذ ثور "25 يناير"اندلعت مسيرات احتجاجية عديدة بعد الصلاة في المساجد، وهي ممارسة واصلَ أنصار محمد مرسي اتباعها منذ الاطاحة به في يوليو 2013.
ويكن لوزير الداخلية والمحافظين استخدام القانون الجديد لإعلان بعض الأماكن العامة خارج الحدود التي يُسمح فيها بالمظاهرات، وتشمل الأماكن المحيطة بالمقرات الرئاسية والمجالس النيابية والوزارات والبعثات الدبلوماسية والسفارات ومقار المحاكم والسجون ومراكز الشرطة والمناطق العسكرية والمواقع الأثرية. ويُشترط على منظمي المظاهرات تقديم خطط كاملة لأية تجمعات تزيد على 10 أشخاص إلى وزارة الداخلية قبل ثلاثة أيام على الأقل من بدئها.
وإذا نظرنا إلى هذه الشروط مقترنة مع السلطات الممنوحة للوزارة التي يحق لها إلغاء المظاهرة أو تغيير مسارها، فإن ذلك يعني في الواقع أنه لا يمكن تنظيم مظاهرات إلا بترخيص مسبق من الوزارة.
وأضافت حسيبة الحاج صحراوي تقول: "منذ ثورة 25 يناير، ما فتئت منظمات حقوق الإنسان والنشطاء في هذا المضمار يناضلون من أجل الدفاع عن مساحة الاحتجاج التي اكتسبوها بعد جهود مضنية. إن الحكومة التي لا تزال تتشدق بالتضحيات التي اجترحها المتظاهرون خلال تلك الفترة، تعمد اليوم إلى توفير غطاء قانوني لحظر الاحتجاجات وإطلاق العنان لقوات الأمن التي لها سجل حافل في استخدام القوة المفرطة المميتة، لتفريق المحتجين بالقوة على هواها".
"وبدلاً من التحقيق في العدد الكبير من عمليات قتل المحتجين منذ "ثورة 25 يناير"ومعاقبة المسؤولين عنها، فإن الحكومة الحالية يبدو أنها تكافئ قوات الأمن على تجاوزاتها وتوفر المزيد من الوسائل القانونية للدوس على الحقوق."
خـــــلفــــــية
في 24 أكتوبر 2013، أرسلت منظمة العفو الدولية مذكرة إلى الرئيس عدلي منصور حثته فيها على عدم التوقيع على مشروع القانون المقيِّد للحريات رقم 107 لعام 2013، الذي ينظم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية. وفي حين أنه تم إجراء تعديلات على مسودة القانون، فإن القانون المعتمد لا يزال يمثل انتهاكاً لالتزامات مصر بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة باحترام حرية التجمع والحق في الحياة.
وكانت الجهود التي بذلتها حكومة مرسي لسن قانون مقيّد مشابه في وقت سابق من هذا العام قد أُحبطت بعد إعراب المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان والأحزاب السياسية وغيرها من المعنيين عن رفضها لذلك القانون.
ومنذ 3 يوليو قضى اكثر من 1,300 شخص نحبهم في احتجاجات وأعمال عنف سياسي في مصر، كان العديد منها نتيجة لاستخدام قوات الأمن القوة المفرطة والمميتة بدون مبرر.
ولم يتم إجراء تحقيقات كافية في انتهاكات قوات الأمن. وبدلاً من ذلك فقد قُبض على آلاف المحتجين ، اعتُقل العديد منهم أثناء تفريق الاعتصامات والاحتجاجات، وسط بواعث قلق بشأن عدم احترام العملية الواجبة.