قابيل وهابيل هما أول أبناء آدم وحواء- عليهما السلام- ذكرهما الله في القرآن دون ذكر اسميهما صراحة، اكتفى بوصفهما ابني آدم فقال تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ. فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ"سورة المائدة.
هابيل وقابيل في المسيحية والتوراة
تتلخص قصة هابيل وقابيل في المسيحية والتوراة، أن حواء عليها السلام كانت تلد في البطن الواحد إبنا وبنتا، وفي البطن التالي إبنا وبنتا، وكان آدم يُزوج ذكر كل بطن بأنثى من بطن آخر.
ويقال إن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل التي كانت أجمل من أخت هابيل لكن قابيل أراد أن يستأثر بها، فأمره آدم أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قربانًا وهو ما يتقرب به إلى الله، وقرّب كل واحد منهما قربانه بعد ذهاب أبيهم آدم، فقرَّب هابيل نعجة أو شاة سمينة وكان صاحب غنم، وأما قابيل فقرب حزمة من زرع رديء وكان صاحب زرع، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب قابيل غضبًا شديدًا وقال لأخيه هابيل لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال له: "إنما يتقبل الله من المتقين".
هابيل وقابيل في القرآن
القصة في القرآن تقول: إن كلاً من قابيل وهابيل قدَّم صدقة؛ قربة إلى الله سبحانه، فتقبل الله صدقة هابيل؛ لصدقه وإخلاصه، ولم يتقبل صدقة قابيل؛ لسوء نيته، وعدم تقواه، فقال قابيل -على سبيل الحسد- لأخيه هابيل: {لأقتلنك}، بسبب قبول صدقتك، ورفض قبول صدقتي، فكان رد هابيل على أخيه: {إنما يتقبل الله من المتقين}، فكان ردُّ هابيل لأخيه قابيل ردًّا فيه نصح وإرشاد؛ حيث بيَّن له الوسيلة التي تجعل صدقته مقبولة عند الله.
ثم إن هابيل انتقل من حال وعظ أخيه بتطهير قلبه من الحسد، إلى تذكيره بما تقتضيه رابطة الأخوة من تسامح، وما يستدعيه النسب من بر، فقال لأخيه: {لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين}، فأخبره أنه إن اعتدى عليه بالقتل ظلمًا وحسدًا، فإنه لن يقابله بالفعل نفسه؛ خوفًا من الله، وكراهية أن يراه سبحانه قاتلًا لأخيه.
ثم انتقل هابيل إلى أسلوب آخر في وعظ أخيه وإرشاده؛ إذ أخذ يحذره من سوء المصير إن هو أقبل على تنفيذ فعلته {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين}.
إلا أن قابيل لم يتقبل نصائح أخيه، وضرب بها عُرْض الحائط، وزين له الشيطان قتل أخيه، فارتكب جريمته، وقتل أخاه.
وروي عن ابن عباس "رضي الله عنهما "من وجوه أُخرى وعن عبد الله بن عمرو"رضي الله عنهما ": "وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكن منعه التحرج من الله أن يبسط إليه يده".
ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم "أنه قال: "إذا تواجه المسلمان بسيفهما، فالقاتل والمقتول في النار". قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال: "إنه كان حريصا على قتل صاحبه".
قصة الدفن
قابيل القاتل لم يكتف بفعل تلك الجريمة، بل ترك أخاه ملقى في العراء، حتى بعث الله غرابًا يحفر في الأرض حفرة؛ ليدفن تلك الجثة، فلما رأى قابيل ذلك المشهد، أخذ يلوم نفسه على ما أقدم عليه، وعاتب نفسه كيف يكون هذا الغراب أهدى منه سبيلًا ، وندم ندمًا شديدًا، فقال عندها قابيل: "يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي"ثم أخذ يفعل به ما فعل ذاك الغراب فدفنه تحت التراب.
قال السدي بإسناده عن الصحابة "رضي الله عنهم": بعث الله غرابين أخوين فتقاتلا، فقتل أحدهما الآخر فلما قتله عمد إلى الأرض، يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه، وواراه فلما رآه يصنع ذلك "قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي"ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه.
وجاء في الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم، والقتل أفظع قطيعة".
روايات مختلفة للقصة
وردت في بعض التفاسير عدة أقوال تتعلق بأحداث هذه القصة، لا ينبغي التعويل عليها، ولا يليق الالتفات إليها:
أولًا: نقلت بعض الآثار أن الَّذَيْن قربا قربانًا ليسا ولدا آدم من صلبه، وإنما هما رجلان من بني إسرائيل.
وهذا النقل غير سديد؛ لأن ظاهر الآية يدل على أن المراد ابناء آدم من صلبه.
ثانيًا: ذكر المفسرون عددًا من الأقوال التي دفعت ابني آدم إلى تقديم تلك الصدقة تقربًا إلى الله تعالى، وهل كان ذلك بطلب منه سبحانه، أو بمبادرة منهما، أو لسبب غير هذا وذاك، كل ذلك لا دليل عليه من الآية، بل غاية ما فيها أنهما قدَّما قربانًا تعبدًا لله، وتقربًا إليه.
ثالثًا: روى بعض المفسرين أن المراد من قوله سبحانه: {أن تبوء بإثمي}أي: بذنوبي التي فعلتها فيما مضى، وأن المراد بقوله: {وإثمك}أي: إثم قتلي.
قال ابن كثير: وقد يتوهم كثير من الناس هذا القول، ويذكرون في ذلك حديثًا لا أصل له: ما ترك القاتل على المقتول من ذنب، وقد صوَّب الطبري أن المراد من قوله: {بإثمي}أي: بخطيئتك في قتلك إياي.
وأن المراد بقوله: {وإثمك}إثمه بغير قتله، وذلك معصيته الله عز وجل في أعمال سواه.
رابعًا: نقل المفسرون عدة روايات تتحدث عن طريقة القتل التي قُتل فيها هابيل، فذكر بعضهم أنه قتل بصخرة، وذكر آخرون أنه قتل بحديدة، وذُكر غير ذلك، وكل تلك الأقوال لا ينبغي الوقوف عندها، وقد قال الطبري معقِّبًا عن ما نقله من تلك الأقوال ما حاصله
وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: إن الله عز وجل قد أخبر عن القاتل أنه قتل أخاه، ولا خبر عندنا يقطع العذر بصفة قتله إياه، وجائز أن يكون قتله على هذا النحو أو ذاك، والله أعلم أي ذلك كان، غير أن القتل قد كان لا شك فيه.
وروى الجماعة سواء أبي داود وأحمدُ في مسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل"أي ظلمًا.
فعلم من ذلك أن قابيل ما تاب من قتله لهابيل.
مكان قبر «قابيل وهابيل»
وأخيرا يقال إن ضريحه يقع في سوريا أول طريق الزبداني بدمشق، ونظرا لقربه من الحدود العراقية فإن أغلب المترددين عليه من الشيعة، وتم التقاط العديد من الصور له.
مغارة الدم
تقع هذه المغارة في دمشق بسوريا، وتسمى هذه المغارة بمغارة الأربعين لأن الأربعين محرابًا يقعون فوقها، وفي زاوية هذه المغارة فتحة تمثل فمًا كبيرًا يظهر اللسان والأضراس والأسنان وسقف الفم، وأمامها على الأرض صخرة عليها خط أحمر يمثل لون الدم
لذا تسمى بمغارة الدم وفي سقف المغارة شق صغير، ينقط منه الماء ليسقط في جرن صغير، يأخذ الناس الماء ظنًا منهم أنه يشفي من الأمراض.
كما يقال أن الجبل بكى لهول هذه الجريمة ودموعه تسيل حتى الآن، وفتح الجبل فاه يريد أن يبتلع القاتل ففر وفي كلام آخر أنه أي الجبل شهق من هول ما رأى جريمة القتل ومعالم الفم ظاهرة، وقام جبريل برفع الجبل الذي أراد أن يطبق على قابيل الذي قتل أخاه هابيل
وتظهر معالم الأصابع واضحةً في الجبل، وقيل إنه في يوم من الأيام كاد أن يسقط سقف مغارة الدم على أحد الأنبياء فقام سيدنا جبريل عليه السلام بوضع كفه على سقف المغارة فمنعه من السقوط، وبقي أثر كفه في سقف المغارة، وبجواره توجد كلمة الله بارزة على الصخر.
ويوجد قطعة من الحجر التي يقال إن قابيل قتل أخاه هابيل فيها، ولا تزال موجودة في هذه المغارة منذ ارتكاب هذه الجريمة، ويوجد محرابان يعتقد أنهما لخليل الله إبراهيم، والآخر للخضر قيل إنهما كانا يصليان كل في محرابه، فالمحراب الأول للنبي إبراهيم، والثاني للخضر.